الخطبـة الأولـى: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فان الله تبارك وتعالى يضاعف اجر العاملين ابتغاء رضوانه أضعافا كثيرة واقل ما ورد في ذلك عشرة أضعاف ثم يزيد الله من فضله الى سبعمائة ضعف لمن صدق النية واخلص العمل، فقد جاء في ذلك حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها الى سبعمائة وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله)).
والأجر يتفاوت بحسب الأمكنة والأزمنة، فتفاوت اجر العاملين لله يرجع الى تفاوت الأزمنة والأمكنة في الفضل وهذا من عظيم رحمته تعالى بعباده إذ جعل لهم اوقاتاً دعاهم فيها الى الاجتهاد في عبادته وأماكن رغبهم في شد الرحال إليها ووعدهم على ذلك الأجر العظيم بأقل جهد.
ومن أفضل الأزمنة التي وعد الله فيها بمضاعفة الأجور (( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن)) وأكثر رمضان فضلاً ومثوبة هي ( العشر الأواخر) منه وأعظم ليلة فيه على الإطلاق هي ( ليلة القدر) التي جعل الله العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر.
وقد اختلف العلماء في تحديد وقتها من الشهر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امرنا بالتماسها في العشر الاواخر من رمضان ولا تحسبن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اخفى عن أمته ليلة القدر على علم بها وانما قد أنساه الله اياه بعد رؤيتها ليجتهد الناس في طاعة الله في العشر الاواخر من رمضان.
ودليل ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن انيس رضي الله عنه قال (( أريت ليلة القدر ثم أنسيتها)) ويكاد ينعقد اتفاق العلماء على ان ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان او في السبع البواقي منه ويدل لذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله رضي الله عنه (( التمسوها-يعني ليلة القدر- في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم او عجز فلا يغلبن على السبع البواقي)) .
وقد اخرج البخاري ومسلم حديثاً يحدد ليالي العشر الاواخر لتحري ليلة القدر فعن عائشة رضي الله عنها قالت (( يجاور - تعني يعتكف- في العشر الاواخر من رمضان ويقول : تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان)) وفي رواية للبخاري: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان)).
وقد صح حديث عن ابن عمر رضي الله عنه ان رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أراهم الله ليلة القدر في المنام في السبع الاواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني توافقت) في السبع الاواخر فمن كان متحريها ( يعني مجتهداً في رؤيتها) فليتحرها في السبع الاواخر)) .
ما جاء في ليلة السابع والعشرين:
وأشهر الأقوال في ليلة القدر وأرجحها انها ليلة السابع والعشرين من رمضان ويدل لذلك ما أخرجه مسلم عن زر بن حبيش قال: سألت أبي كعب رضي الله عنه فقلت: ان أخاك ابن مسعود يقول " من يقم الحول يصب ليلة القدر" فقال أبي بن كعب: رحم الله ابن مسعود أراد ألا يكتل الناس " يعني فقال انه في ليلة من ليالي السنة" اما انه قد علم انها في رمضان وانها من العشر الاواخر منه وانها ليلة سبع وعشرين" ثم حلف أبي بن كعب انها ليلة سبع وعشرين لايستثنى (يعني لم يقل ان شاء الله لتيقنه انها ليلة سبع وعشرين) قال زر بن حبيش: فقلت لأبي بن كعب: بأي شئ تقول ذلك يا ابا المنذر؟ يعني ما دليلك على يقينك)).
قال أبي بن كعب: بالعلامة التي اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انها تطلع يومئذ لإشعاع لها" يعني تطلع الشمس ليلة القدر وليس لها شعاع كسائر الايام لان انوار الملائكة تغلب على شعاع الشمس وقد رأى أبي بن كعب – راوي الحديث- وغيره من الصحابة ذلك صبيحة سبع وعشرين ولذلك اقسم موقنا من قلبه على صحة قوله .
ترى ما سر فضل ليلة القدر:
* ليلة القدر هي الليلة التي انزل الله فيها القرآن كله الى السماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك منجماً على ثلاث وعشرين سنة قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن" قال رحمه الله " الصحف( يعني صحف إبراهيم وموسى) والتوراة والزبور والانجيل" نزل كل منها على النبي الذي انزل عليه جملة واحدة.
وأما القرآن فانما نزل على جملة واحدة الى بيت العزة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه كما قال تعالى
(( إنا أنزلناه في ليلة القدر))
وقال سبحانه (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة))
ثم نزل بعد مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رحمه الله " هكذا روي من غير وجه ( يعني بعدة طرق)
وعن ابن عباس انه سأله عطية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك "
قول الله تعالى (( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن))
وقوله ((إنا أنزلناه في ليلة القدر))
وقوله (( إنا أنزلناه في ليلة مباركة))
وقد انزل في شوال وفي ذي القعدة وذي الحجة ومحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس رضي الله عنه " انه انزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم انزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام" 1هـ بنصه.
ومن خصائص ليلة القدر التي استوجبت لها ذلك الفضل العظيم انها الليلة المباركة التي يفرق فيها كل امر حكيم قال تعالى(( انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين* فيها يفرق كل امر حكيم)) والمعنى " فيها يفرق كل امر حكيم" ان الله سبحانه وتعالى يفصل من اللوح المحفوظ قدر السنة التالية وينزل الى الملائكة الكتبة ومثال هذا ـ ولله المثل الأعلى ـ ان يضع حاكم خطه لبلده لعشر سنوات وكل سنة يفصل حصتها من الخطة العامة ويكلف القائمين عليها بتنفيذها وهكذا الشأن مع الفارق بين تقدير الخالق والمخلوق فيما يجريه سبحانه من التقدير ليلة القدر وينزله على الملائكة المكلفين بتنفيذ قدره سبحانه.
وما قلته هو قول أئمة التفسير الذين اعتمدوا في تفسيرهم على المأثور دون غيره من الآراء ومن أئمة هذا الشأن شيخ المفسرين ابن جرير الطبري والحافظ ابن كثير.
الخطبـة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومناهتدى بهداه وبعد
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه
وأختم بدعاء ليلة القدر
* ولأن قدر كل كائن ينزل في ليلة القدر لسنته التالية ولان ما يصيب الإنسان من البلاء سببه معصية الله تعالى ولان الدعاء يرد القضاء كما جاء في الصحيح من الحديث لذلك كله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين سألته: " يا رسول أرأيت ان علمت أي ليلة ليلة القدر ما اقول فيها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي: "اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه الترمذي وقال حسن صحيح فنسأل الله الحليم العفو الكريم العفو والعافية في الدنيا والآخرة والنجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن وحسبنا الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الإثنين 22 أبريل 2024, 6:21 pm من طرف أيريك بطال سنوط كوفري
اليومية
موضوع: خطبة عن ليلة القدر 